حول تجربة النشر السودانية من جوبا (دار الموسوعة الصغيرة)
جوبا – العربي الجديد
■ كيف تُعرّفون القرّاء على “دار الموسوعة الصغيرة”، ومن أين جاءت الفكرة بالضبط، وفي أي عام انطلقت؟
دار الموسوعة الصغيرة للطباعة والنشر والتوزيع ؛ هي دار نشر مُستقلة مقرها جمهورية جنوب السودان متخصصة في مجالات الأدب والعلوم الانسانية والترجمة؛ وتعمل دار النشر على تكريس جهودها للتنافس في تقديم أفضل المنشورات في المجالات المعرفية المختلفة بالاضافة إلى البحث الدائم عن أفضل محتوى لتقديمه للقارئ. جاءت فكرة الموسوعة من خلال قراءاتنا لدور النشر والمحتوى الذي تقدمه ؛ فبعض دور النشر تحوّلت إلى ما يمكن أن نطلق عليه ” مكان لطباعة الكتب” دون الاهتمام بالمحتوى المعرفي الذي يتم تقديمه للقارئ؛ ونعتقد أن ما تقدمه الدور للقارئ هو مسؤلية أخلاقية ومعرفية ، إذ يجب الارتقاء بالقارئ من خلال تقديم محتوى معرفي يضيف لعامة جمهور القراء ولا يكون خصمًا عليهم ؛ وأرجو أن لايُساء فهمي حيث أن هنالك أجيالٌ ستقرأ ما نطبعه وننشره وهذه مسؤلية كبيرة جداً . إنطلقت الدّار في العام 2023وفي اكتوبر هذا العام قمنا بتقديم منتجاتنا للقراء.
■ لماذا اخترتُم مدينة جوبا بالتحديد مقرّاً لكم؟
بعد إندلاع الحرب في السودان في الخامس عشر من أبريل؛ تعرضت كل الدور لعملية نهب واسعة واتلاف واحراق للكتب ؛ بل وصل الأمر إلى حد تخريب الذاكرة الوطنية السودانية وضياع أرشيفات ومؤلفات مهمة. إختيارنا لجوبا هو إختيار مدروس لعدة عوامل؛ فالسودان وجنوب السودان كانا دولة واحدة؛ وظلّت الدولتين مابعد استقلال جنوب السودان تتقاسمان الموارد المادية والثّقافية، وهنالك حالة تداخل كبيرة جداً مابين البلدين ثقافيا واقتصادياً واجتماعياً وسياسياً؛يتقاسم عشرات الآلاف من السودانيين اللاجئين المأوى والطعام مع أشقائهم في جنوب السودان ؛ وقد فتحت جوبا أذرعها مرحّبة بالسّودانيين الذين لجأو إليها ، هناك عامل حاسم أيضاً وهو عامل اللغة العربية، حيث درس آلاف الجنوب سودانيين بالمدارس والجامعات السودانية ؛وتشهد جوبا أيضاً حِراكاً ثقافياً كبيراً يتمثّل في المراكز الثفافية ومراكز الدراسات ،وهي بوابة لشرق إفريقيا التي تشهد أيضاً بطبيعة الحال تأثيرات وحِراكات ثقافية كبيرة.
■ من موقعكم كناشر، كيف تقرأون التواصل الثقافي بين البلدَين شمال وجنوب السودان؟
كما أسلفت بالقول؛ هناك تداخلات كبيرة على كافة المستويات؛ وبالرغم من أنّ البلدين شهدا الحرب الأهلية التي بدأت ما قبل استقلال السودان في العام 1955؛ ثم حرب أخرى بعد استقلال جنوب السودان؛ ولكن ظل التواصل حاضراً في كل شئ. إذ أنّ مصير البلدين هو مصيرٌ مشترك؛ ومهما أفسدت السياسة ما بين الشعوب لكن يظل التواصل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي حاضراً. وبعد اندلاع الحرب في السودان فتحت جامعات جنوب السودان والمعاهد الأبواب للطلاب من السودان دون أي شروط؛ كذلك الأطباء والمهندسين ،إنهم يعيشون الآن في جوبا دون أي شعور بأنهم غرباء إذ تظلّ المُشتركات ممسكةٌ بالشّعوب. وقبل هذه الحرب وقبل استقلال جنوب السودان ظل آلاف السودانيين في جوبا ولم يبارحوها قط.
■ ضمن أي خطّة نشر تتحرّكون؟ وما أبرز المواضيع التي تشتغلون عليها؟
تتركّز خططنا أولاّ في توفير المحتوى المعرفي الممتاز للقارئ؛ إذ نعتبر أنفسنا ليست دار توفر الكتاب فقط وتطبعه وتنشره ، بل مسؤلياتنا أكبر من ذلك؛ إنها مسؤلية معرفية وأخلاقية تجاه القُرّاء؛ إذ أننا في بعض الأحايين نستكتب المؤلفين حول موضوعات نراها ملحة في السياق العام وتسليط الضوء عليها ؛ وفي كتابنا مستقبل السّودان في ظل تعدّد أزماته، قمنا باستكتاب مجموعة من الأكاديميين والباحثين من السودان وجنوب السودان وشرق إفريقيا حول الحرب في السودان، نتعاون أيضاً مع مراكز الدراسات في انتاج كتب حول القضايا ذات الاهتمام المشترك ولدينا أيضاً تعاون مع جامعة أديس أبابا في إثيوبيا لاصدار كتاب مشترك حول قضايا القرن الأفريقي وهكذا. نشتغل في الدار على الفلسفة والعلوم الانسانية بمختلف التخصصات والترجمة للانجليزية والسواحيلية والفرنسية.
■ كيف توزّعون كتابكم وأين، ومن هُم قرّاؤكم؟
نستهدف في التوزيع دول شرق إفريقيا والقرن الإفريقي بشكل خاص، وبالطبع الدّول العربية. وفي توزيعنا لشرق إفريقيا نركز على ترجمة ما نراه مهماً وما ينبغي توصيله للقارئ في هذه البلدان ؛ فالترجمة هي عامل حاسم في نقل الثقافة ومعرفة الشعوب لبعضها البعض. تستهدف الدّار بشكل كبير القُرّاء من الشباب والطّلاب فهم عماد ونهضة المستقبل ولايمكن بناء أي بلد وحضارته ونهضته دون الاهتمام بهذه الشريحة. قُرّاؤنا أيضاً مُتعددي اللغات ( الانجليزية والسواحيلية والفرنسية ) بالاضافة إلى العربية وهي شريحة كبيرة وبالطبع فالدّار توفر كتبها في المعراض الاقليمية والدولية والمكتتبات المتعددة في مختلف أنحاء العالم.
■ ما أبرز الفوارق بين تجربتَي النشر في شمال السودان وجنوبه؟
لا أعتقد أنّ هنالك فوارق يمكن ذكرها في هذا الشأن؛ فالبلدين يفكران بعقلية قريبة لبعضهما، إنهما نموذج لبناء وانتاج المعنى ضمن أفق متشابه؛ لكن بالطبع للدور أفكارها الخاصة وخططها وهذا الفارق هو فارقٌ طبيعي في أي عمل.
■ هل تحدُّ هذه الفوارق من أن يكون لديكم جهورٌ واحدٌ وكبير بين البلدين؟
بالطبّع لكل دار نشر خطّتها فيما يتعلّق بجمهورها من القراء وما هي الفئات التي تستهدفهم؛ لكن يظل ومن الطبيعي أن تشترك الدّور هذه في عرض منتجاتها المعرفية على جمهرة من القرّاء. وفي الأخير تسعى دور النشر الى توفير الكتاب لعامة القُرّاء ، فقط العناوين المبذولة تحدد أي فئة ستقرأه
■ ما انعكاسات الحرب التي اندلعت في السودان على حركة النشر عموماً، وهل لكم تجربة مُعيّنة في هذا السياق؟
للحرب دورٌ خطير وكبير في تخريب كل شئ وعلى كافة المستويات؛ على سبيل المثال فقدت غالبية الدور السودانية مخزونها من الكتب في المكتبات وتعرضت محتويات أمكنتها للتّلف والتّخريب والنّهب؛ ومجهود سنوات كبيرة من حركة النّشر ضاعت وسط سُعار هذه الحرب، وبعضها تأثر رأسمالها أو فقدته. بالاضافة إلى أنّ هذه الدّور تعمل الآن خارج السّودان لظروف الحرب فالبتأكيد تواجه إشكاليات جمّة في حركة النّشر.
■ هل يوجد تجارب أُخرى لناشرين سودانيّين أو عرب أو أجانب في جنوب السودان؟
هنالك تجربة الزملاء في دار رفيقي وكذلك دار ويلوز هاوس وكلهم يسعون لتوفير الكتاب للقارئ وهي دور نشر جنوب سودانية ظلّت تعمل وسط مخاطر كبيرة يشهدها سوق النشر عموماً ، ولكن لاتوجد تجارب لناشرين آخرين على حسب علمي.
■ ما أبرز التحدّيات التي تواجهونها؟ وما الذي يمكن أن يحدّ منها؟
التّحدي الأبرز هو أن الأزمة الاقتصادية التي تضرب العالم الآن أثّرت وتؤثّر على كل شئ، على سبيل المثال المطابع وأسعار الورق التي يتجدد سعرها كل يوم، بالاضافة إلى الترحيل لمختلف بلدان العالم. لكن في السّياق بدأنا في الموسوعة الصغيرة ترتيباتنا لتشغيل مطبعتنا الخاصة في محاولة منّا لتخفيف الأحمال حتى على دور النشر التي تتعاون معنا ودور النشر الأخرى ؛ إذ نسعى لتكوين جبهة عريضة من دور النشر للقيام بالدّور الذي ينبغي أن تقوم به دور النشر وهي أنها رسل للمعرفة ومؤسسات معرفية تساهم في ترقية شعوبها وعموم القرّاء لمجابهة حالة الخلل الذي تعيشه مجتمعاتنا وحيث لا توجد وسيلة أخرى لنهضة الشعوب سوى الاهتمام بالمعرفة ونشرها.
■ أي إضافة ترغبون أن تزوّدونا بها، ولا تتضمّنها الأسئلة السابقة؟
أشكركم جزيل الشكر على إهتمامكم بهكذا قضايا وتسليط الضوء عليها.