“السودان على طريق المصالحة” لمحمد الحسن ولد لبات
(الناشر: المركز الثقافي للكتاب، بيروت، 2020)
١. السياق التاريخي وأهداف التأليف
يوثق الكتاب تجربة الوساطة التي قادها الدبلوماسي الموريتاني محمد الحسن ولد لبات كرئيس لفريق الاتحاد الإفريقي في السودان بعد ثورة ديسمبر 2018، والتي أسقطت نظام عمر البشير (1989–2019). بدأت المهمة في 21 أبريل 2019، بعد 10 أيام فقط من الإطاحة بالبشير، وسط أوضاع سياسية معقدة وحالة من الشلل المؤسسي في الخرطوم . هدف الكتاب إلى:
– تحليل آليات الوساطة التي أدت إلى توقيع الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية (أغسطس 2019).
– تقديم نموذج لـ”فقه حل الأزمات” الإفريقي القائم على الحلول المحلية.
– تسجيل شهادة أخلاقية عن مسؤولية النخب في الصمت عن الانتهاكات، بما في ذلك اعتذار المؤلف عن صمت النخب الموريتانية خلال “سنوات الجمر” .
٢. الإطار النظري: فلسفة المصالحة عند ولد لبات
يقدم الكتاب رؤية فلسفية للمصالحة تتجاوز التسامح السلبي إلى عملية ديناميكية قائمة على:
– العدالة والاعتراف: “لا مصالحة دون كشف انتهاكات حقوق الإنسان وجبر الضرر” .
– قبول الآخر: المصالحة تعني “التجاوز عن ثنائية ‘أنا’ و’أنت’ لصالح ‘نحن‘” .
– المرجعية الإفريقية: التأكيد على ضرورة حل الأزمات الإفريقية بأدوات محلية، مستفيداً من دروس قادة مثل نيلسون مانديلا وكاتميلي ماسيري (رئيس بوتسوانا) .
٣. تحليل مسارات الوساطة: التحديات والاستراتيجيات
– التعقيدات السياسية:
– واجه ولد لبات تحالفاً غير متجانساً من القوى: “الثنائية المقدسة” (المجلس العسكري × قوى إعلان الحرية والتغيير)، بالإضافة إلى الإسلاميين والحركات المسلحة .
– بعد أحداث فض اعتصام القيادة العامة (3 يونيو 2019)، رفض العسكريون الالتزام بالاتفاقات المبدئية، ورفضت قوى الإعلان العودة للمفاوضات .
– آليات الحل:
– عقد 492 اجتماعاً مع الأطراف، ركز فيها على “النموذج الجاذب” القائم على التوافق بدلاً من الإملاء .
– طرح فكرة المجلس السيادي (7 عسكريين + 7 مدنيين + عضو مدني خامس عشر) لضمان أغلبية مدنية، وهو ما قُبل بعد ضغط “المسيرة المليونية” (30 يونيو 2019) .
– توظيف دبلوماسية “العصا والجزرة” بدعم من دول “الترويكا” (السعودية، الإمارات، الولايات المتحدة) .
٤. تحديات المرحلة الانتقالية: رؤية نقدية
حذر المؤلف من أربع مخاطر كبرى:
- التركيبة الهجينة للحكم: تداخل صلاحيات مجلس السيادة (العسكري) ومجلس الوزراء (المدني) يخلق صراعات سيادية .
- غياب العدالة الانتقالية: المساءلة عن انتهاكات الماضي ضرورية، لكن دون تحويلها إلى “انتقام” يشرذم المجتمع .
- الإرث الاقتصادي: الفساد وانهيار البنية التحتية يعيقان تحقيق مطالب الثورة .
- التدخلات الخارجية: تأثير دول مثل مصر والإمارات والسعودية في تعزيز نفوذ العسكر .
٥. الأطروحة المركزية: الديمقراطية التوافقية كحل
يدعو الكتاب إلى تبني نموذج الديمقراطية التوافقية بدلاً من الديمقراطية الليبرالية التقليدية، للأسباب التالية:
– عدم ملاءمة نموذج “الأغلبية تحكم والأقلية تعترض” لمجتمع متعدد الإثنيات مثل السودان.
– ضرورة إشراك جميع الأطراف، بما في ذلك الإسلاميين، بعد مراجعتهم لأخطاء الماضي .
– يؤيد هذا الطرح دراسات سودانية سابقة مثل ورقة الطيب زين العابدين (2013) .
٦. الإسهامات الفريدة والانتقادات
– الإضافات النوعية:
– أول وثيقة تكشف تفاصيل المفاوضات من داخل الغرفة المغلقة، بمصداقية نادرة.
– الجمع بين السرد الأدبي (“حركة المطار باهتة في جو يصطلي بأشعة الشمس”) والتحليل الأكاديمي.
– تقديم نموذج لـ”الوسيط الإفريقي” القادر على حل أزمات القارة دون وصاية خارجية .
– الانتقادات:
– إهمال تحليل العوامل الاقتصادية العميقة المهددة للانتقال الديمقراطي .
– تركيزه على دور النخب يغيب تحريك الشارع كقوة ضاغطة مستقلة .
– تجاهل دور المرأة السودانية في الثورة، رغم إشارته لـ”الكنداكات” (النساء القائدات) في الإهداء .
٧. الخلاصة: رسالة إلى المستقبل
يختتم الكتاب بتساؤلات استشرافية:
– هل يمكن كسر “دائرة الفشل” في التجارب الديمقراطية السودانية؟
– كيف يُجنَّب السودان مصير دول “الربيع العربي” التي تحولت إلى حروب أهلية؟ .
يرى ولد لبات أن نجاح الانتقال مرهون بـ:
> “تحويل المصالحة من شعار إلى ممارسة يومية تقوم على العدالة، واحترام التعددية، ورفض الإقصاء” .
يظل الكتاب مرجعاً أساسياً لفهم لحظة مفصلية في تاريخ السودان، وشهادة على أن الوساطة الإفريقية قادرة على صنع السلام عندما تُسلح بالحكمة والصبر.