الشاعر الأصمعي باشري
يقول الفيلسوف الالماني هيجل أنّ ” الشعر هو الفن المطلق للعقل، الذي أصبح حراً في طبيعته، والذي لا يكون مقيداً في أن يجد تحققه في المادة الحسية الخارجية، ولكنه يتغرب بشكل تام في المكان الباطني، والزمان الباطني للأفكار والمشاعر”
هذا الديوان الشعري سيرة للأمكنة والأزمنة والشخوص والموضوعات ؛ وحيث تزخر نصوصه بسرديات واضحة، وتكاد نصوص كثيرة لديه تقترب من الدراما الشعرية بكل ما تعنيه من شخوص وأحداث وحوارات ، ولكن الطابع المميز فيه هو قدرة الشاعر التجريبية على مزج الحدث الدرامي بالتخييل الفني ، لنجد أن النّص محافظاً على توهجه وسط التحولات والمسارات ،
اذْهَبْ بِألَمِكَ نَاقِصَاً ؛ فَالْقَمَرُ الَّذِي مَرَّ فَوْقَ سَطْحِ الْخَيَالِ عَلَّقَ صُورَتَهُ وَانْتَحَرَ .لا تَنْتَظِرْ عِنْدَ بَابِ الأَمَلِ طَوِيلاً
اذْهَبْ بِالْجُرْحِ طَيِّبَاً وَأوْقِدْ لَهُ فِي الطَّرِيقِ شُعْلَةَ الْقَصِيدَةْ .
وحسب جيل دولوز فإن ” الصور الجمالية… لا علاقة لها إطلاقاً بالبلاغة، فتلك هي إحساسات: مؤثرات إدراكية وانفعالية، مشاهد ووجوه، ورؤى وصيرورات… ولعل خاصية الفن هي المرور عبر المتناهي، لاستعادة اللامتناهي وإعطائه ثانية”. وبطريقة أو أخرى يعالج الشاعر الأصمعي باشري بمسار ملتبس الصورة الجمالية في نصوصه ويمكن أن نستخلص ذلك من رؤيتنا لنصوصه التي تبحث في فنية الشعر، وفي أسس فلسفية لهذا الفن، وهو التحرر من النزعة المنطقية الصورية التي كانت تعتمدها البلاغة الكلاسيكية القديمة ، وهذا النمط يشكل الدعامة الأساسية لما يمكن تسميته بالقطيعة المعرفية بين نظامين معرفيين نظام البلاغة ونظام الاستطيقا. فإذا كانت الأولى تقوم على مبادئ صورية وقواعد شكلية يقيم على أساسها العمل الفني باعتباره محاكاة للطبيعة، فإن النظام المعرفي الجديد لا يقوم إلا على مبدأ الإحساس بالجمال، وهو المفتاح الأول لتذوق الفن باعتباره تحريراً للمخيلة من قيود العقل الصوري. وبحسب هذا المنظور تغدو نصوص هذا الديوان الجميل لا حرة، كما يغدو مفهوماً لا يعارض موضوعيته، بل يتوحًد بها، لأن غاية ونفس الموضوع الجميل، وكذلك طابعه الخارجي، وتنوعه يجب أن تظهر كمكونات جمالية خالصة، وليست مكونات لشيء آخر. فالموضوع الجميل لا يضحى ذا حقيقة إلا بصفته وحدة محايثة، وتطابقاً لمفهومه ووجوده المرئي.
النّاشر