الكاتب والقاص : عثمان الشيخ
” نحن شعب يحب الموتى، ولا يرى مزايا الأحياء حتى يستقروا في باطن الأرض.”
يوسف السباعي – كاتب مصري
في اليوم الأول لوفاته إمتلأت صفحته على الفيسبوك ومعظم الصفحات بمنشورات المُعزّين، حيث تحول الفضاء الأزرق إلى سرادق عزاء ضخم، لم تتوقف المنشورات لثلاثة أيام متتالية، حيث كتب الجميع.
منشور (1):
صديقه الذي غدر به قبل عام وشتمه أمام الجميع، كتب على صفحته الشخصية مع إشارة إلى صفحة الشخص المُتوفى:
(كنت صديقي الحبيب. وها أنت الآن تذهب، وتتركني وحيداً، أصارع موجات الحياة القاسية، وداعاً أيها النبيل، وأتمنى أن ألحق بك قريباً).
منشور (2):
زميله في العمل، والذي دوماً ما ينقلْ أحاديثه إلى المدير الأعلى، كتب:
(زميلي الرائع، العمل من غيرك مُمل، ليتك تعود لنا لنشربْ شاي الظهيرة ونحن نحكي عن قسوة الحياة وضغوط العمل حين نسخر من كل شئ ضاحكين).
منشور (3):
صديقته التي استنزفته مادياً لسنوات طويلة تحت غطاء محبّته كتبتْ:
(كنت أخي الذي ألجأ إليه عندما تضيق بي الحياة وتقسو عليّ الأيام. ليتك معي الآن لنصارع الظروف).
منشور (4):
صديق طفولته الذي لم يقابله إلّا عابرًا قبل أيام بعد أن قاطعه لسنين؛ لأن أسرته صارت أكثر ثراء، كتب أيضاً:
( اْلتقينا أول أمس وتحدّثنا كثيراً جداً عن ذكرياتنا، بكينا وضحكنا ثم تواعدنا أن نلتقي قريباً ولكن ظروفي منعتني، كم اشتاق إليك الآن).
منشور(5):
صديقته المقربة كتبت:
( لماذا رحلتْ، كنت أحبك، لم أصارحك بذلك، ليتنا تزوّجنا، لنقهر هذا الدنيا البائسة، أتمنى أن أكون زوجتك في الجنّة).
منشور(6):
رفقائه في الحِزبْ الذي فُصل منه بوِشاية، لنبله وصدق وطنيته؛ كتبوا عن فقدهم له ورغبتهم في لقائه في العالم الآخر. حتى مُخالفيه كتبوا يُمجدّونه، وضعوا صوره في صفحاتهم الشخصية بعدما قاموا بعمل تصميمات متعجّلة بها عبارات عزاء وأبيات شعر.
منشور (7):
حبيبته التي طالبته بإنهاء علاقتهما إن لم يحقّق لها رغباتها التي تفوق وضعه المادي والاجتماعي، أقامت مناحة عظيمة على صفحتها وكتبت:
(تعال وخذني معك يا حبيبي، أو عُد إليّ لنكمل حديثنا عن الزواج، يمكننا أن نعيش تحت أيّ ظل وفي أي مكان).
منشور(9):
زملاء دراسته الذين انقطعوا عنه لأعوام، استخرجوا له الكثير من الصور التي تخصّه، من دهاليز ألبوماتهم القديمة، وأخذوا يتداولونها بأسى وحزن وكتبوا:
(نحن نفتقدك يا صديقنا العزيز، فقد كنت باسماً وجميلًا و رائعاً).
منشور (10):
أشخاص لا يعرفونه ولا يعرفون أحد يعرفه، كتبوا:
( لم نعرفك ولم نقابلك ولكنّ صورك الكثيرة والمنّتشرة تدل على أنك شخص رائع. رحمك الله أيها الجميل، لقد ذهبت إلى دار أفضل من دارنا، فالطيبون يرحلون سريعًا).
في اليوم التالي تصدّرت صفحات الفيسبوك حكاية فستان لأحدى المغنيات والذي ارتدته في آخر حفلاتها الغنائية، وتصريح لأحد السّياسيين يعِد بإصلاحات اقتصادية. وحدها أمه، لا تمتلك هاتفاً ذكياً أو صفحةً على فيس بوك، ولكنّها تمتلكْ وجهاً إمتلأ حُزناً على رحيله وقلباً تمزّق من الحزن، فقد خطّت بدموعها أعظم منشور على جبينها النّدي.