بيت الحكمة ببغداد ينظم مؤتمراً دولياً بعنوان: بناء الثقة وتعزيز الهُوية الوطنية
الدكتور عبدالله الفكي البشير يشارك بورقة بعنوان: “من مقاصد الشريعة إلى تطوير ها: نحو دستور إنساني وهُوية وطنية جامعة “.
بدعوة كريمة من بيت الحكمة ببغداد، العراق، شارك في المؤتمر العلمي الدولي السادس عشر الموسوم بـــــ : بناء الثقة وتعزيز الهُوية الوطنية، الذي نظمه قسما الدراسات الفلسفية والدراسات الإسلامية ببيت الحكمة، بغداد، العراق. عُقد المؤتمر خلال الفترة 23- 24 ديسمبر 2024 العام الماضي، وقد قدم فيه د. عبدالله الفكي ورقة بعنوان: “من مقاصد الشريعة إلى تطوير ها: نحو دستور إنساني وهُوية وطنية جامعة “.
شارك في المؤتمر نحو (50) مشاركاً ومشاركة بتقديم أوراق علمية، وكانوا من دول مختلفة: العراق، والأردن، ولبنان، ومصر، والسودان، وإيران، وتونس، والجزائر، وألمانيا.
كانت هذه أول زيارة لي للدكتور عبدالله الفكي ، غير أنه سبق له وأن شاركت في ندوات وكذلك تقديم محاضرات، عبر تطبيق خدمة الزووم، في بعض الجامعات العراقية: الجامعة المستنصرية، وجامعة بغداد، وجامعة الأنبار.
ملخص ورقة د.عبدالله الفكي البشير
من مقاصد الشريعة إلى تطوير ها: نحو دستور إنساني وهُوية وطنية جامعة
From the Objectives of Sharia to its Evolution: Towards a Humane Constitution and a Comprehensive National Identity
بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير
باحث سوداني
“إن الإسلام سلاح ذو حدين، إذا أخذ عن علم ومعرفة، رفع الناس إلى أوج الرفعة والإنسانية والرقي، وإذا أخذ عن جهل، ارتد بالناس إلى صور من التخلف البشع الذي يحارب باسم الله كل مظهر من مظاهر التقدم والفهم”.
محمود محمد طه، نوفمبر 1964.
ملخص :
تسعى هذه الورقة إلى إثراء النقاش حول موضوع المؤتمر وهو: بناء الثقة وتعزيز الهُوية الوطنية الجامعة، من خلال تسليط الضوء على طرح جديد قدمه المفكر السوداني الإنساني محمود محمد طه صاحب الفهم الجديد للإسلام. ينطلق الطرح من فهم جديد للقرآن الكريم، ويخاطب بناء الثقة وتعزيز الهوية الوطنية في بيئات التعدد الثقافي، حال العراق، ويقدم حلولاً لحاجة المواطن المعاصر، بمستوى متطلبات العصر. يتمحور الطرح حول الدعوة إلى دستور إنساني، يكون مصدره القرآن، غير أنه لا يسعى لإقامة حكومة دينية، وإنما يسعى لإقامة حكومة إنسانية يلتقي عندها، ويستظل بظلها كل البشر بصرف النظر عن ألوانهم، وألسنتهم، ومعتقداتهم، على قدم المساواة في الحقوق والواجبات. يقوم هذا الدستور على الأصول التي يلتقي فيها الناس، وهي أصول الإنسانية، وتكون أسسه كالمرآة يرى فيها كل مواطن شخصيته وتطلعاته. وتكون المفاضلة بين الناس بالعقل والأخلاق، وليس بالعقيدة أو العنصر أو اللون أو الجنس. والإسلام في هذا المستوى يعيش في مجتمعه جميع المواطنين على احترام وتساو بينهم، بحق المواطنية لهم كل الحقوق، ولا يميز ضد أحد بأي اعتبار من الاعتبارات. تقدم الورقة هنا شرحاً وتفصيلاً وتبييناً لذلك.
والدستور الإنساني لا يلتمس في الشريعة الإسلامية الحاضرة، لأنها، كما يقرر محمود محمد طه، ليست ديمقراطية وليست اشتراكية، ولا تمثل المستوى الديمقراطي في الإسلام، وإنما تمثل عهد الوصاية منه، وليس في عهد الوصاية دستور. فالشريعة إذا ما وضعت في موضعها من حكم وقتها في القرن السابع وطبيعة المجتمع أوانئذ، فهي غاية في الانضباط، والحكمة، والعدل، والسماحة، غير أنها لا تستطيع، بكل صورها، مواجهة تحديات العصر، وتلبية حاجة الإنسان المعاصر اليوم. وهي لا يظهر فيها النقص إلا إذا ما نقلت من وقتها، وطلب إليها أن تستوعب طاقات الإنسان المعاصر، فتنظم حقوقه، وتحل مشاكله.. ولكن النقص ليس هو نقص الشريعة، وإنما هو نقص العقول التي تنقلها من بيئتها إلى بيئة لم تشرع لها، بدعوى أن الشريعة صالحة لكل زمان ومكان. وهنا تؤكد الورقة بأن الشريعة، ليست هي الإسلام، حتى نقول بصلاحها لكل زمان ومكان، وإنما هي طرف الإسلام الذي نزل لأرض الناس منذ أربعة عشر قرناً، وهي في بعض صورها تحمل سمة (الموقوتية) وهي من ثم قابلة للتطور، بل إن كمالها في قابليتها للتطور. تقدم الورقة هنا تفصيلاً وتعليلاً.
ومثلما كانت جهود السابقين في مقاصد الشريعة مثل الحكيم الترمزي، والجويني، والغزالي، وبن عبد السلام وغيرهم، وبخاصة الإمام الشَّاطبي (538 هـ- 590هـ/ 1143م- 1195م) المؤسس لنظرية مقاصد الشريعة، حينما وضع الكليات الخمس، وهي: “حفظ الدين، والنفس، والنسل، والمال، والعقل”، كانت تلبية لمتطلبات روح عصره ومقتضياته، فإن محمود محمد طه كتب، قائلاً: لا يمكن للشريعة الإسلامية الحاضرة، أن تنظم حياة الفرد والمجتمع، وتستقيم مع قامة الحياة المعاصرة وتحديات العصر، ولا يمكن لها أن تحقق المقاصد، والتي يلخصها، في حق الحياة وحق الحرية، وما يتفرع منهما، إلا بتطويرها. تقدم الورقة هنا تفصيلاً وتبييناً وتعليلاً. ولمَّا كان التطور هو الأصل، وهو قانون الوجود، عند محمود محمد طه، فهو يرى بأنه لابد من تطوير الشريعة لمواجهة تحديات العصر وتلبية حاجة الإنسان المعاصر. وتطوير الشريعة، عنده، يكون من داخل القرآن، وليس من خارجه، ويعني الانتقال بالتشريع من نص فرعي في القرآن خدم غرضه حتى استنفذه، وهي آيات الفروع (الآيات المدنية)، إلى نص أصلي في القرآن نُسخ فأصبح مُدَّخراً لحياة الناس اليوم، وهي آيات الأصول (الآيات المكية). والتطوير يقع في شريعة المعاملات، كالحقوق الأساسية للأفراد، وكالنظم الاقتصادية والسياسية، إلى آخر ما يرتبط بتحولات المجتمع، ولا يقع في شريعة العبادات. تقدم الورقة تفصيلاً وتوضيحاً، مع الإجابة عن السؤال القائل لماذا لا يقع التطوير في شريعة العبادات؟
وبتطوير الشريعة، يتم بعث آيات الأصول (الآيات المكية)، ليقوم عليها الدستور الإنساني الذي يكفل الحقوق الأساسية للجميع: المسيحي والمسلم والبوذي والوثني والملحد واللا أدري… إلخ، حق الحياة، وحق الحرية، وما يتفرع منهما. والقاعدة في الدستور الإنساني، هي قوله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾، وقوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ﴾. ويجب أن يكون جميع المواطنين، رجالاً ونساء، متساوين، في الحقوق الوطنية، وأمام القانون، لا وصاية من أحد على أحد، ولا قوامة من أحد على أحد. وبهذا يكون الإسلام قد ارتفع، من مستوى العقيدة/ الإيمان إلى مستوى العلم/ الإيقان، وفي هذا المستوى، الناس لا يتفاضلون بالعقيدة، وإنما يتفاضلون بالعقل، والأخلاق، فلا يسأل الإنسان عن عقيدته، وإنما يسأل عن صفاء الفكر، وإحسان العمل. وبهذا تنتقل الفضيلة في المجتمع، من قوة العضل، إلى قوة العقل، وقوة الأخلاق، ولن يكون حظ أي مواطن رجلاً كان أو امرأة، حظا منقوصاً، وإنما الكل، مطالب، سواء في الأفضلية أو القيادة، بأن يكون مؤهلاً تأهيلاً عقلياً وأخلاقياً. تفصل الورقة هنا وتقدم تبييناً لماهية تطوير الشريعة ومنهجيته؟ وكيفية تنزيله؟ وما الذي يترتب عليه؟ وكيف أن الدستور الإنساني يبني الثقة ويعزز الهوية الوطنية الجامعة؟ وكيف أنه يمثل خلاصاً من قانون الغابة ودخولاً على قانون الإنسان؟
وحتى تحقق الورقة أغراضها تهيكلت في المحاور الآتية: محمود محمد طه: ملامح موجزة من السيرة الفكرية-
أهم مرتكزات الفهم الجديد للإسلام- الدين وتحديات البيئة الإنسانية الجديدة- الشريعة الإسلامية الحاضرة: عقبة أمام الهُوية الوطنية الجامعة- من نظرية مقاصد الشريعة إلى أطروحة تطويرها- تطوير الشريعة الإسلامية من داخل القرآن: نحو شريعة الإنسان- الدستور الإنساني: حيث المفاضلة بين الناس بالعقل والأخلاق وليس بالدين أو الجنس- شروط بناء الثقة وتعزيز الهُوية الجامعة- خاتمة، وقائمة المصادر والمراجع.
الكلمات المفتاحية: مقاصد الشريعة- تطوير الشريعة- الدستور الإنساني- المفاضلة بين الناس- الأخلاق- حق الحياة- حق الحرية- الشورى- الديمقراطية- الهُوية الوطنية الجامعة.