بعد ثلاثين عاماً من حكم الاخوان المسلمين للسّودان؛ والذي سقط بثورة شعبية في العام 2019؛ حكمٌ عضوضٌ أدخل البلاد في نفق مُظلم وتردّي في كل مناحي الحياة السودانية؛ وأفرغ جوهر القيم والأخلاق من مضمونها مع نهبٌ للموارد وتقتيلٍ وسلبٍ للحيوات؛ مستخدمين في ذلك رافعة ( الشريعة الاسلامية) كأيديولوجيا تبرّر كل ما ذكر آنفاً، فما حصاد التّجربة وماهو الحال والمآل.
يتتبّع المؤلف الحركة الاسلامية السّودانية منذ نشأتها في العام 1948 ؛مروراً بالتغييرات التي أجرتها على أسمائها. الحركة التي كانت حتى العام 1977 تستمد أفكارها ومطبوعاتها وأدبياتها من الخارج من قراءة أدبيات حركة الإخوان المسلمين المصرية وكتّابها: حسن البنا، عبد القادر عودة، البهي الخولي، سيد سابق، محمد الغزالي، يوسف القرضاوي، سيد قطب؛ وقد وجدت شخصية سيد قطب وفكره إعجاباً كبيراً في اوساط الحركة.
وفي فضاء السودان الشاسع والمُتعدد المتنوع ثقافياً وعرقياً وإثنياً ودينياً؛ تفرض الحركة الاسلامية حكمها عن طريق ” تطبيق الشريعة الاسلامية ” مع فرض هُويّة أحادية إقصائية عبر الأسلمة والتّعريب؛ وفي سنوات حكمها الممتدة حاولت إصلاح مابدا لها أنه اصلاحٌ فكري ، حين قامت بما يسمى بالتأصيل . جاءت المساعي التجديدية للحركة الإسلامية، في إطار الأزمة العميقة التي ضربت المجتمعات الإسلامية والتي نتجت عن إخفاق أطرها الفكرية والعلمية والثقافية التقليدية في مواجهة واقع الفقر والتخلف والاستبداد والتبعية، التي تعاني منها هذه المجتمعات، وعجزها عن توليد معارف تواجه بها تحديات التنمية والمشاركة والمساواة والهوية بالصورة المطلوبة، وذلك في ظل ضغوط ومنافسة مؤثرة من مفاهيم وقيم ومؤسسات الدولة الحديثة. وكلها أعراض لأزمة النظام المعرفي الإرشادي السلفي المتمثلة في عجز مكوناته عن التعامل مع تحديات الواقع، وعن وإيجاد حلول للمشاكل في المجتمعات الإسلامية المعاصرة.
يصل المؤلف في دراسته إلى النتيجة الكلية لمشروع الحركة الاسلامية السودانية وهو انفصال جنوب السودان، واشتعال الحروب الأهلية في أرجاء البلاد، وتدمير القطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية والخدمية وعلى رأسها مشروع الجزيرة، أحد أكبر المشاريع المروية ريّاً انسيابيا تحت إدارة واحدة في العالم، وسكك حديد السودان، والخطوط الجوية، والخطوط البحرية، وانتشار العنف والفساد على كل المستويات، وتدمير الخدمة العامة بعد أن أصبحت (التقوى) والولاء للحركة الاسلامية هي معايير التوظيف.
النّاشر