المطار كفضاء ذاتي وأخلاقي

فبراير 23, 20250
 

عبدالرحيم محمد

في السفر و حين نمر بكل محطة نجدها مليئة بفئات التفتيش التي يجب أن نخضع لها، مما يدفعنا نحو الشعور بالداخل، و الشعور بالصغر، والتعرض للذات الذي لا نكون مستعدين له أبدًا بغض النظر عن عدد المرات التي نقوم فيها بالرحلة، هذه العملية تزيلنا من العالم و تفرقنا عن بعضنا البعض.

إذا نظرنا في العلاقات الأخلاقية و الذاتيات التي يتم بناؤها وتشجيعها وجعلها (مستحيلة) في فضاء المطار. نستطيع الزعم بأن حدود المطار تجمع بين مجموعة متنوعة من التقنيات الأمنية والتجارية والمكانية في مجالات “التدفق” و”السكن” التي تمنح وتولد الإمتياز لنوع معين من الموضوعات الأخلاقية – الفرد المعلق مؤقتًا. فكيف نبدأ بفهم الفضاء كما ينتج من خلال الحركة والتعددية؟.

حدود المطارات هي فضاء أخلاقي عميق، مليء بالأغراض والقيم وطرق الوجود والمسارات، والتي قد تلتقي أو لا تلتقي بشكل هادف. ورغم أنها تبدو مجرد فضاء وظيفي، لكن هذه الوظيفة تخفي مجموعة من الإنقسامات الأخلاقية والسياسية والخيارات وعلى هذا فإن فضاء المطار يعلن عن إمكانياته الكوزموبوليتانية للعالم، بإستخدام شعارات مثل “حيثُ يتواصل العالم” (مطار دبي الدولي)، و “لقاء العالم” (مطار فرانكفورت). مثل هذه الشعارات التسويقية قد تبدو تافهة، لكن إذا قررنا أن نأخذها على محمل الجد، بإتباع خطى أدبيات التنقل الحديثة. فخلافاً للموانئ والحدود البرية، المطارات تجسد الطبيعة المصطنعة لحدود الدولة القومية؛ فهي تشكل حدود وطنية على مشارف مدينة كبرى في وسط بلد، وهو ما يشير في حد ذاته إلى بداية بُعد مكاني مختلف. وعلى الرغم من كل هذا فإن أخلاقيات مساحات حدود المطارات ـ العلاقات المتعلقة بالمسؤولية والتواصل الإجتماعي التي تسمح بها وتعززها و تفرض قيوداً عليها ـ لم تحظ بالقدر الكافي من الدراسة في الأدبيات الناشئة عن المطارات. وبدلاً من ذلك يتم التركيز في أغلب الأحيان على الآثار السياسية المترتبة على التحولات في تكنولوجيا المراقبة والأمن أو على إمكانيات التجريب الفردي والتعبير والإنجاز التي نجدها في صالة المغادرة في المحطة.

بتفتيتنا لمساحة حدود المطارات، و آثارها الأخلاقية المثيرة للقلق، يمكن النظر إليها من خلال ملاحظاتنا لحالة معينة قبل أن نتعمق في أسسها النظرية. خلف (البوابات الإلكترونية) التي شكلت الحاجز بين الفحص الأمني و صالة المغادرة في كل المطارات، تقوم مجموعة الضباط بإيقاف المسافرين بشكل انتقائي أثناء مرورهم، يمكن أن يستمر هذا التفتيش لعدة ساعات، ويمكن أن يصبح كل فرد يحمل علامات مرئية مثل الدين الإسلامي أو النسب العربي (لون البشرة والحجاب) يتم إيقافه. وأخذ جوازات سفر و وثائق سفر المعتقلين، ويأُمروا بالبقاء في المكان الذي أوقفوا فيه – منفصلين عن زملائهم المعتقلين بمسافة مترين على الأقل – بينما تم فحص وثائقهم على المطبوعات المختلفة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة في محطة كمبيوتر مؤقتة أقيمت على الجانب والجدير بالذكر هنا أن أيًا من الأفراد المعنيين لا يمكنهم أن يبدو أي مقاومة، بإستثناء نظرات الحزن والصدمة  أو القلق.

أن هذا الحدث الذي يقع في المطار ليس الأكثر فظاعة ولكن ما كان ذو دلالة خاصة هو الافتقار إلى الإستجابة من جانب المسافرين الآخرين. فلا يتوقف أحد ليشاهد، و لا يتحدث أحد مع أولئك الذين تم إيقافهم أو المسؤولين. وبالتأكيد لا يتدخل شخص أو يجعل الأمر من اختصاصه. و قد يتم دمج هذه الأفعال الواضحة المتمثلة في تحديد الهوية والفحوص الإضافية الاستثنائية، والتي ربما كانت تستند إلى معلومات استخباراتية محددة، بسهولة في ما كان “طبيعياً” في هذه المساحة ولم تكن هذه الأفعال محل اهتمام سوى الأفراد الذين تم إيقافهم. علاوة على ذلك من خلال إبقاء المحتجزين حيث هم، منفصلين عن بعضهم البعض حتى بمسافة بضعة أمتار، تستغل السلطات مرونة الأشخاص الذين اجتازوا الفحص الأمني، حتى لا يتحدث هؤلاء الأفراد إلى بعضهم البعض أو يتواصلوا بالعين، وتفشل تجربتهم المشتركة في تحديد الهوية العرقية في تكوين أي شكل من أشكال التضامن أو الإرتباط.

لا تعد المطارات مفيدة للفرد فحسب، بل هي أيضاً مساحات جديدة لـ “اللقاء” أو “الجيرة” مع فُرص جديدة للتواصل تمكن من تطوير هويات عالمية وعلى النقيض من ذلك فإن الأدبيات التي تركز على تكنولوجيا المراقبة والأمن على حدود المطار أقل تفاؤلاً. ما يظهر غالباً هو حجة ضمنية مفادها أن ممارسات تأمين الفضاء تجعل الإنسان في الواقع نوعاً من الحيوانات أو الأشياء أو النصوص. و يتم “إعادة تكوين الناس كمعلومات” “تقليصهم … [إلى] أشياء خطرة أو مفيدة يتم مسحهم ضوئياً مثل الرموز الشريطية، وهنا يدور قلق كامن حول الممارسات اللاإنسانية في مساحة حدود المطار التي تفشل في إحترام الذاتية بشكل كافٍ.”

فالموضوع الأخلاقي الذي تفضله وتنتجه حدود المطار ليس حيواناً أو كائناً، بل فرد معلق مؤقتاً ومجزأ اجتماعياً، وهو خضوع لا تكفي الحقوق له كعلاج في الممارسة العملية، لذا استكشاف الأخلاق المكانية لا يتعلق بإقتراح شكل مثالي من أشكال التفاعل الاجتماعي حيث يتم تحديد الروابط الصحيحة للمسؤولية والتضامن والرعاية بشكل كامل أو نهائي. بل يتعلق الأمر بـ “رسم خريطة لبنية الافتراضات القائمة التي توجه توزيع المسؤوليات وكيفية إسنادها و التفاوض عليها و تحويلها في أشكال معينة من الحياة الأخلاقية.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *