مقدمة:
يحاول هذا المقال تسليط الضوء حول تجربة التعليم ثنائي اللغة في موزمبيق؛ للوقوف على مجمل تطورات عملية التعليم في هذا البلد الإفريقي، المتعدد إثنيًّا ولغويًّا ودينيًّا وثقافيًّا؛ وذلك لأن تجربة هذا النمط من التعليم تُمثّل فرصة سانحة لاستخدام اللغات الإفريقية المحلية في التعليم، الذي ظلت تحتكره اللغة البرتغالية، لغة المستعمر، الذي غادر البلاد في عام 1975م، وما تزال لغته اللغة الرسمية الوحيدة في البلاد.
يبدأ المقال بالتعريف، في إيجاز، بمصطلحات مفتاحية، وهي: التعليم ثنائي اللغة، والسياسة اللغوية، والسياسة التعليمية، كجزء أصيل من السياسة اللغوية، باعتبارها إطارًا نظريًّا مبتسرًا، لموضوع المقال، ويعقبه الحديث عن مراحل التعليم، التي مرت بها البلاد، بمنهج أقرب للمنهج الوصفي، الذي يناسب هذا النوع من الموضوعات
إطار نظري: مصطلحات التعليم ثنائي اللغة والسياسة اللغوية والسياسة التعليمية
لمصطلح التعليم ثنائي اللغة Bilingual educationتعريفات عديدة، معجمية، وغير معجمية، يُبيّن قاموس كامبيردج أن “التعليم ثنائي اللغة” يشير إلى التعليم الذي يتم تقديمه بلغتين للطلبة الذين ينشؤون ويتحدثون بلغة مختلفة عن تلك التي يتم التحدث بها في مدارسهم([1]).
كما يُعرّف قاموس كامبريدج أيضًا هذا النمط من التعليم بأنه: استخدام لغتين أو أكثر كوسيلة للتعليم لموضوعات “المحتوى” مثل العلوم أو التاريخ([2]).
أما قاموس ويبستر فيعرفه بأنه التعليم في نظام مدرسي باللغة الإنجليزية؛ حيث يتم تدريس الطلبة الذين لا يجيدون اللغة الإنجليزية باللغتين الأم والإنجليزية معًا([3]).
ومِن اللغويين مَن عرَّف التعليم ثنائي اللغة بأنه مصطلح شامل واسع يشير إلى أيّ برنامج مدرسي، يتم فيه استخدام أكثر من لغة واحدة في المنهج الدراسي؛ لتدريس موضوع أكاديمي غير لغوي([4]).
أما فيما يخص السياسة اللغوية، فهناك العديد من التعاريف الخاصة بمفهومها، يأتي ضمنها: أنها تُطلَق على مجموعة من الاختيارات الواعية المتعلقة بالعلاقات بين اللغة واللغات في الحياة الاجتماعية، وبالتحديد بين اللغة والحياة والوطن.([5])
ومنها أنها تُعدّ آلية لموضوعية اللغة في البنية الاجتماعية، على نحوٍ يجعلها تُحدّد أوجه السلطة السياسية والثروات الاقتصادية، أي تُعتبر الآلية التي بواستطها، تصنع المجموعات السائدة أُسس الهيمنة في استعمال اللغة.([6])
وأما السياسة التعليمية، فهي نوع من أنواع السياسة اللغوية-السياسة اللغوية التعليمية، وهذه ذات صلة باللغة، التي تقرّها وتختارها السلطة التعليمية لاستخدامها لغة تعليم، ومادة دراسية في ذاتها في مختلف مراحل التعليم([7])؛ فتعني المصطلح المستخدم للإشارة إلى المبادئ والقرارات السياسية، التي تؤثر على التعليم، بما في ذلك جميع القوانين التي تحكم إنشاء وإدارة المؤسسات التعليمية([8]). أو تعني المبادئ والسياسات الحكومية في المجال التعليمي، بالإضافة إلى مجموعة القوانين والقواعد، التي تحكم عمل أنظمة التعليم([9]).
وإذا كانت السياسة اللغوية تهدف إلى العمل على أحد محورين؛ هما: التأثير على اللغة، أو التأثير على اللغات([10])، وإذا كان التأثير على اللغات يكون من خلال تنظيم التعدد اللغوي، واختيار لغة منه لأداء وظائف معينة([11])؛ فإن السياسة التعليمية تهدف إلى أن تؤثر بشكل مباشر على التعليم، الذي ينخرط فيه الأشخاص من جميع الأعمار([12]).
وإجرائيًّا نعني بالتعليم ثنائي اللغة –في هذا المقال- ذلك النمط من التعليم، الذي تبنَّته جمهورية موزمبيق كتعليمٍ تدرَّج في تعليم لغة موزمبيقية محلية مع اللغة البرتغالية، والسياسة اللغوية التي اتبعتها عبر سياسة تعليمية لإنجاز هذا النمط من التعليم؛ بهدف تحقيق معدلات أفضل من النجاح في هذا المجال.
التعليم في جمهورية موزمبيق:
موزمبيق هي إحدى دول إفريقيا جنوب الصحراء، التي تنتمي جغرافيًّا، إلى دول الجنوب الإفريقي، استُعْمِرَتْ برتغاليًّا لفترة طويلة من الزمن. تتكون التركيبة الإثنية لموزمبيق من عدد معتبر من الإثنيات، وتتشكل خريطتها اللغوية من عدد من اللغات أيضًا. وكل ذلك جعَل من هذه الدولة متعددة إثنيًّا ولغويًّا وثقافيًّا ودينيًّا. ولا شك أن هذا التعدد سيلقي بظلاله على التعليم في هذه البيئة الإفريقية.
على الرغم من أن اللغة البرتغالية، اكتسبت شرعيتها في البلاد كلغة رسمية وحيدة في البلاد، بحكم هيمنتها على المشهد اللغوي لقرون عديدة، فإن اللغات الموزمبيقية -وعددها يتراوح بين 20- 43([13])، لا سيما البانتوية منها- تتطلع إلى خدمة مجتمعاتها، على الأقل في مجال التعليم، وذلك على الأقل من منظور انتشارها الواسع في البلاد، جغرافيًّا، وكثرة مَن يتحدثون بها.
يمكن تقسيم المراحل التعليمية، التي شهدتها موزمبيق عبر تاريخها إلى ثلاث مراحل؛ كل مرحلة منها يجمع بينها قدر من التجانس، وهي: مرحلة الاستعمار، ومرحلة ما بعد الاستقلال (1975- 1992م)، ومرحلة تبني التعليم ثنائي اللغة (1993 إلى 2003م).
التعليم في مرحلة الاستعمار:
تاريخيًّا، كان النظام التعليمي البرتغالي في موزمبيق مكونًا من مستويين؛ حيث تم تصميمه لتعزيز المهارات البدائية بين غالبية السكان الأفارقة، وتوفير التعليم الليبرالي التقني للسكان المستوطنين، وأقلية صغيرة من الأفارقة. وتم تقييد أكثر من أربعة أخماس الطلبة المسيحيين في النظام الاستعماري على البرنامج البدائي. وقد قدّمت الدولة بالتعاون مع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، التعليم العام، ولكن التعليم الخاص كان متاحًا أيضًا في البلاد، وكان معظمه يتم من خلال مجموعات كنسية. وقد كانت لغة التدريس البرتغالية. بالإضافة إلى تلك المدارس- كانت هناك أيضًا مدارس إسلامية في العاصمة، وعلى طول الساحل الشمالي([14])، وهي مدارس تختلف كليًّا عن تلك المدارس ذات الطابع المسيحي.
وفي سياق التعليم في موزمبيق في حقبة الاستعمار؛ لا بد من الإشارة إلى اللغة البرتغالية، التي تُعدّ اللغة الرسمية الوحيدة للبلاد، وهي اللغة الرئيسية لجزء صغير فقط من السكان، إلا أن حوالي خُمس سكان البلاد يتحدثون بها كلغة تواصل مشتركة. ويتركز المتحدثون باللغة البرتغالية بقوة في العاصمة مابوتو، والمناطق الحضرية الأخرى([15]).
وتتحدث بعض الإحصاءات عن أن 8.8% فقط من سكان موزمبيق، يتحدثون اللغة البرتغالية محليًّا، وأن 27-40% من السكان يتحدثون بها كلغة ثانية([16]). كما تتحدث إحصاءات أخرى عن أن 16.6% من مجمل السكان، وفقًا لعام 2017م يتحدثون اللغة البرتغالية كلغة أولى، وأن 41% يتحدثونها باعتبارها لغة ثانية. وتشير بعض أدبيات إلى استخدام اللغة البرتغالية في أعمال الحكومة، ونظام التعليم، والمناطق الحضرية([17]). وهذا يوضح بجلاء كيف أن المستعمر أفلح في فرض هذه اللغة، متجاوزًا لغات إفريقية، ذات أكثرية عددية من حيث المتحدثين، في مختلف أنحاء البلاد.
وبحكم سيطرة اللغة البرتغالية، وكونها اللغة الرسمية للبلاد، لم تكن اللغة البرتغالية هي اللغة الوحيدة لإدارة الأعمال والإدارة في المجال العام فحسب، كما تمت الإشارة، بل كانت أيضًا مهيمنة باعتبارها الوسيلة الوحيدة للتعليم، من المدرسة الابتدائية إلى المستوى الجامعي في حقبة استعمار البرتغال للبلاد. ومن العجب أن لغة موزمبيقية أخرى، مهما علا شأنها، لم تنافسها خلال هذه الحقبة في أداء أي دور رسمي في البلاد، على مستوى التعليم أو غيره.
وعليه يمكن القول: إن أهم ما يميز التعليم في مرحلة المستعمر، أنه بالإضافة إلى تبنّيه اللغة البرتغالية وسيلة وحيدة للتعليم، فإنه طبّق نوعين متمايزين من التعليم؛ الأول: نوع خاص بالمستوطنين وقلة من الأفارقة، وهو عبارة عن تعليم ليبرالي تقني. والنوع الآخر: تعليم يهدف إلى تعزيز المهارات البدائية، استهدف به غالبية السكان الأفارقة.
التعليم في مرحلة ما بعد الاستقلال (1975- 1992م):
تبدأ هذه المرحلة، باستقلال موزمبيق عن البرتغال عام 1975م، وتنتهي بتوقف الحرب الأهلية، التي عمَّت البلاد في الفترة من 1977 إلى 1992م؛ حيث كان للتعليم نصيب من هذه الحرب، التي دمَّرت ما يقارب نصف المدارس، كما ستتم الإشارة إليه في السطور التالية.
منذ استقلال البلاد عن البرتغال عام 1975م، كما كان الحال في الحقبة الاستعمارية السابقة، ظلت اللغة البرتغالية هي لغة التدريس والتعليم من المستوى الابتدائي إلى نهاية السُّلَّم التعليمي. ومع ذلك، فإن العديد من الطلبة، وخاصة في المناطق الريفية، يبدأون دراستهم مع القليل من الفهم أو القدرة على التحدث باللغة البرتغالية. ويتوقع من جميع المعلمين التحدث باللغة البرتغالية([18])، وذلك أن اللغة البرتغالية، كانت منتشرة في المناطق الحضرية، أكثر من المناطق الريفية، التي يزدهر فيها استخدام اللغات المحلية.
الأمر المهم، أنه بعد الاستقلال في عام 1975م، تبنَّى السياسيون الموزمبيقيون أيديولوجية اشتراكية، وخاصةً الحاجة إلى “خلق إنسان جديد”، مواطن متحرّر من العقلية الاستعمارية والبرجوازية، وأيضًا خالٍ من القِيَم التقليدية (الإفريقية) “المتخلّفة” مثل الخرافات. كما اعتبر القادة الاشتراكيون أن تثقيف الجماهير أمر ضروري لوحدة الدولة الجديدة. وتماشيًا مع هذه الأيديولوجية السياسية، ومع مشروع بناء الأمة، تم الحفاظ على اللغة البرتغالية -التي تم تبنيها كلغة للوحدة الوطنية-؛ باعتبارها اللغة الوحيدة للتعليم الرسمي([19]). لقد كان اختيار السياسيين الاشتراكيين في هذه المرحلة، قائمًا على اتباع السياسة اللغوية والتعليمية، التي ورثوها من المستعمر، ولم يأخذوا بعين الاعتبار النظر إلى لغات بلادهم.
بعد عامين من الاستقلال اشتعلت الحرب الأهلية (1977-1992م)، وبسببها تم تدمير نصف المدارس الابتدائية في البلاد تقريبًا، ولكن أُعيد بناؤها لاحقًا. وتمت إضافة آلاف من المدارس والفصول الدراسية الجديدة لتوفير التعليم للجميع، خاصةً وأن كل مجموعة من الأطفال في سن المدرسة الابتدائية كانت أكبر من المجموعة السابقة. كما تم إلغاء الرسوم المدرسية، وتم توفير الكتب المدرسية مجانًا، وتم توسيع نطاق تدريب المعلمين في جميع أنحاء البلاد. ومع ذلك، لم تتحسن جودة التعليم مع زيادة فرص الالتحاق بالمدارس، بل حدث عكس ذلك تمامًا([20]). وربما يكون عدم جودة التعليم منطلقه، اللغة البرتغالية المستخدمة قسرًا، حتى في الأرياف البعيدة، التي لا تعرف منها إلا القليل.
وعندما كانت الحرب الأهلية في البلاد قائمة على أشدها؛ أنشأ نظام التعليم الوطني في موزمبيق -الذي تم تنفيذه في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي- برامج للأشخاص من جميع الأعمار، للطلبة بدوام جزئي. وكذلك بدوام كامل، وذلك لتحسين معرفة القراءة والكتابة والتعليم الفني. كما تم تأميم مرافق المدارس الخاصة والمدارس الأقل عددًا من حيث الطلبة؛ لتسهيل إعادة تنظيم وتوحيد النظام التعليمي. وعلى الرغم من التزايد السريع في عدد المراكز التعليمية الابتدائية والثانوية والخاصة بتعليم الكبار والمهنية؛ فإن الطلب على التعليم فاق بسرعة قدرة الدولة([21]).
بعد ذلك اتبعت موزمبيق سياسة لغوية جديدة في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، مع ملاحظة أن مبادئ سياسة اللغة الرسمية في موزمبيق تم التعبير عنها في المادة 5 من النسخة المنقحة لعام 1990م من دستور الجمهورية، من خلال تعزيز اللغة البرتغالية باعتبارها اللغة الرسمية، ولكن تبع ذلك تقدير اللغات الوطنية، وتعزيز تطويرها، وتشجيع الاستخدام المتزايد كلغات تستخدم مع البرتغالية، وفي تعليم المواطنين. وكانت هذه هي المرة الأولى على الإطلاق، التي يتم فيها تناول قضية اللغة الرسمية في دستور موزمبيق. ويشير هذا التغيير الدستوري إلى التوسع في استخدام لغات أخرى غير البرتغالية في التعليم. لقد ذكر دستور عام 1990م، ومرسوم التعليم الوطني لعام 1992م، لأول مرة، إمكانية استخدام اللغات الإفريقية في التعليم([22]).
وعلى الرغم من أن أيًّا مما ذكره دستور عام 1990م، ومرسوم التعليم الوطني لعام 1992م في ما يخص استخدام اللغات الموزمبيقة في التعليم؛ لم يكن ملزمًا، إلا أنه يمكن اعتبارهما خطوة للتمكين لها، من حيث إنهما منحا الشرعية لكلٍّ من المثقفين والمواطنين العاديين لمناقشة قضايا اللغة. ونتيجةً لذلك، تم تطوير التجارب في مجال محو الأمية ثنائي اللغة للبالغين، وكذلك التعليم الابتدائي([23]).
ويمكن القول: إن أهم ما يميز التعليم في مرحلة ما بعد الاستقلال (1975- 1992م)، أن بدايتها شهدت تبنّي الحكومة الاشتراكية، السياسة اللغوية نفسها، التي ورثتها عن الاستعمار. وخلال هذه الفترة تبنت سياسة التعليم للجميع، وتم التوسع في التعليم، على الرغم من الحرب، ثم تم إنشاء نظام وطني للتعليم في بداية الثمانينيات من القرن الماضي للأشخاص من جميع الأعمار.
وفي نهاية هذه الفترة صدر دستور 1990م، ومرسوم التعليم الوطني لعام 1992م، اللذان عززا تشجيع اللغة البرتغالية، باعتبارة لغة رسمية، وأتبع ذلك بتقدير اللغات الوطنية، وتعزيز تطويرها، وتشجيع استخدامها في تعليم المواطنين. وعلى الرغم من أن ما ورد في الدستور والمرسوم المشار إليهما لم يكن ملزمًا، إلا أن ما ورد فيهما فيما يخص اللغات القومية، وإمكانية استخدامها في التعليم، يُعدّ خطوة جوهرية نحو التعليم ثنائي اللغة لاحقًا.
مرحلة تبني التعليم ثنائي اللغة (بدءًا من 1993م وحتى الآن):
تبدأ هذه المرحلة عام 1993م، وهو العام الذي أقرت فيه الحكومة بداية التجربة الأولى للتعليم ثنائي اللغة في البلاد، مرورًا بإدراج لغتين وطنيتين، مع البرتغالية، في هذا النمط من التعليم، ومِن ثَم التوسع فيه بإدراج 16 لغة موزمبيقية وطنية، وانتهاء بخلق بيئة مُشجِّعة رسميًّا وشعبيًّا للتعليم ثنائي اللغة في موزمبيق. مع ملاحظة أن هذه المرحلة وإن كانت طويلة (ثلاثة عقود)، فإن العقد الأول فيها مثَّل التجربة الأولى فقط لهذا البرنامج، ليتوسع في العقدين التاليين.
أتاحت السياسات الأكثر تعددية، بعد انتهاء الحرب الأهلية في عام 1992م في موزمبيق، مساحة أكبر لاستخدام اللغات المحلية في التعليم. وفي حين استمر التعليم في التوسع بشكل كبير وأعطى الأولوية في كلٍّ من الإنفاق العام المحلي، والمساعدات الخارجية؛ فقد تضاءلت أهمية التعليم في الخطاب السياسي. على سبيل المثال: لم تذكر دراسة حديثة عن الطبقة المتوسطة في موزمبيق التعليم العام أو رداءة جودته. وبدلًا من ذلك، يُعتبر التعليم الخاص، وفرص التعليم في الخارج من القضايا المهمة للطبقة المتوسطة الموزمبيقية وقتها([24]).
وقد شهد عام 1993م تقديم موزمبيق لأول مرة تعليمًا ثنائي اللغة، بإيعاز من البنك الدولي لإصلاح التعليم في البلاد، عبر تنفيذ برنامجين تجريبيين للتعليم ثنائي اللغة منذ عام 1993م؛ الأول كان عبارة عن تجربة تعليمية ثنائية اللغة، مدتها 5 سنوات (1993-1997م)، بلغتين في موزمبيق. وبدأت بعد ذلك مبادرة تجريبية ثانية للتعليم ثنائي اللغة عام 2003م. هذا البرنامج تم إطلاقه مِن قِبَل حكومة موزمبيق، ونفَّذه في المقام الأول المعهد الوطني للتنمية التعليمية، وجامعة إدواردو موندلين، ومنظمتان غير حكوميتين موزمبيقيتين([25]). انطلاقًا من هذا يكون عام 1993م، نقطة الانطلاق نحو التعليم ثنائي اللغة، ليزداد توسعًا لاحقًا بعد عشر سنوات، شراكةً بين البنك الدولي وحكومة موزمبيق.
وضع هذا المشروع التجريبي للتعليم ثنائي اللغة (عبر نسختيه)؛ حدًّا للاستخدام الحصري للغة البرتغالية، باعتبارها وسيلة التعليم الوحيدة في البلاد. وقد بدأ المشروع التجريبي الأول للتعليم ثنائي اللغة، كما تمت الإشارة، في عام 1993م، بلغتين موزمبيقيتين فقط، هما: سينيانيا Cinyania (في مقاطعة تيتي الشمالية)، وشيتشانغانا Xichangana (في مقاطعة غازا الجنوبية). وهذا النمط من التعليم ثنائي اللغة يشير إلى التدريس المتزامن للغة البرتغالية، بالإضافة إلى إحدى لغات البانتو الموزمبيقية الـ16 المستهدفة (سيشار إليها لاحقًا). والهدف الرئيسي من ذلك هو تطوير معرفة القراءة والكتابة. وفي الوقت نفسه بناء الطلاقة اللغوية والقدرة على التحدث باللغة الثانية([26])، وهي اللغة البرتغالية.
إضافةً إلى ذلك كان الهدف الرئيسي من إدخال برنامج التعليم ثنائي اللغة هو المساهمة في تحسين جودة التعليم الأساسي في موزمبيق، مع الاعتراف بأن اللغة البرتغالية ليست اللغة الأم لغالبية الأطفال الموزمبيقيين. ومن المؤكد أن استخدام اللغة الأم في التعليم، مدعوم بالأبحاث والممارسات الدولية، التي تشير إلى المزايا الأكاديمية والمعرفية لاستخدام اللغة الأم في التعليم الأولى([27]). وقد هيَّأ هذا النمط من التعليم فرصة سانحة للغات المحلية في موزمبيق، ليتم تجريب إدراجها في الفصول الأولى من التعليم الابتدائي، الذي كانت تَحتكره، وتحتكر غيره اللغات البرتغالية.
ومع ذلك، ونظرًا لما يتعلق بتوافر المعلمين المدرَّبين الذين يتحدثون اللغات الموزمبيقية، ويمكنهم التدريس بها، ونقص المواد، واختلاف وجهات النظر بين أصحاب المصلحة الحاليين؛ فقد بدأ تعميم التعليم ثنائي اللغة، الذي لم يتم استقباله بشكل إيجابي في جميع المجالات([28]). وهذه مخاوف، تُوضَع في الاعتبار عادةً، عند تنفيذ المشروعات الجديدة، التي تقدم في بلاد على شاكلة موزمبيق، ظلت اللغة البرتغالية تسيطر على المشهد اللغوي، وتهيمن على الاستخدام في التعليم والإعلام والأعمال الحكومة، في مقابل لغات محلية، بعضها لم تطاله أنظمة كتابة بعدُ، وظلت تُستخدم فقط في الحياة اليومية، والأعمال غير الرسمية.
المهم، بدأت المرحلة التجرييبة من استخدام لغتين موزمبيقيتين باعتبارهما النواة الأولى للتعليم الثنائي اللغة في البلاد. وقد كان الهيكل الرئيسي للبرنامج الثنائي اللغة الحالي في ما يلي([29]):
الصفوف 1- 3: لغة التدريس في اللغة الأولى (يتم تدريس القراءة والرياضيات في اللغة الأولى).
الصفوف 1-3: مقدمة إلى اللغة البرتغالية الشفهية، وفصول التربية البدنية باللغة البرتغالية (لزيادة معرفة المفردات الشفهية للأفعال والكلمات الرئيسية الأخرى).
الصف 3: مقدمة للقراءة والكتابة باللغة البرتغالية.
الصف 4: الانتقال إلى بناء الطلاقة اللغوية والقدرة على التحدث باللغة البرتغالية.
الصفوف 4-7: استمرار تدريس اللغة الأولى كموضوع.
في عام 2003م، واستنادًا إلى النتائج الإيجابية، التي حققتها تجربة عام 1993م للتعليم الثنائي اللغة في البلاد([30])؛ أدخلت الحكومة تغييرًا على المناهج الدراسية الابتدائية، لتشمل التعليم ثنائي اللغة على أساس لغات البانتو المحلية. وقد أظهر المشروع التجريبي تحسينات في كلٍّ من العلاقات بين المعلمين والطلبة، والأداء المدرسي للطلبة. وعلى الرغم من محدودية نطاقه، فقد أظهر المشروع التجريبي أن التعليم ثنائي اللغة؛ يمكن أن يكون ناجحًا في توفير مهارات القراءة والكتابة والحساب لأطفال المرحلة المبكرة في السياق الموزمبيقي، ومِن ثَمَّ أتاح إمكانية تحسين جودة التعليم([31]).
إضافةً إلى ذلك، وتفصيلاً له، وبعد تجربة 1993م الناجحة، تم توسيع البرنامج ثنائي اللغة، بدءًا من عام 2003م، ليشمل مدارس مختارة في جميع أنحاء البلاد، باستخدام اللغة البرتغالية، و16 لغة من لغات البانتو في التدريس والتعلم. واستند القرار بشأن اختيار اللغات المحلية إلى اعتبارات سياسية، وما إذا كان قد تم توحيد قواعد التهجئة الخاصة بها([32]).
لقد أتاحت سياسة إصلاح المناهج الدراسية لعام 2002م ثلاثة خيارات في عام 2003م، لإدخال حكومة موزمبيق بعض التعليم ثنائي اللغة للمدارس الابتدائية في نظام التعليم الرسمي (بعد مرحلة تجريب المشروع)، وهذه الخيارات هي([33]):
1- التعليم عبر اللغة البرتغالية.
2- التعليم عبر اللغة البرتغالية مع “اللجوء” إلى اللغة المحلية حسب الحاجة.
3- التعليم ثنائي اللغة القائم على اللغة الأم.
وقد تبع ذلك زيادة عدد المدارس، التي تطبق التعليم ثنائي اللغة تدريجيًّا من 88 مدرسة في عام 2007م إلى ما يقرب من 500 مدرسة بحلول عام 2015م. ومِن ثَم أعلنت وزارة التعليم والتنمية البشرية في موزمبيق بعد ذلك أنه اعتبارًا من عام 2017م سيتلقى طلبة المدارس الابتدائية تعليمهم بإحدى اللغات المحلية الـ16 المستهدفة، إلى جانب اللغة البرتغالية. واللغات الـ16 المعنية، هي: التشوبي، والتشووابو، واللوموي، والماكوا، والماكوندي، والمواني، والنداو، والنيانغا، والنيونغوي، والرونغا، والسينا، والتيودي، والتونغا، والتسونغا، والتسووا، والياو([34]).
في الواقع، إن هذا البرنامج المكون من 16 لغة يضع موزمبيق كواحدة من البلدان، التي لديها أكثر سياسات اللغة في التعليم جرأةً في إفريقيا. وقد تمَّت الموافقة مِن قِبَل بعض المختصين في مجال التعليم على ذلك، كما أن برنامج التعليم ثنائي اللغة يُنظَر إليه على أنه إنجاز عظيم في تاريخ التعليم في موزمبيق، لتعزيز قيمة اللغات الوطنية، والحد من معدلات التسرب والرسوب، وتحسين النجاح الأكاديمي([35]).
تشهد العديد من الأحداث على مدى حرص موزمبيق على تنفيذ سياستها التعليمية الخاصة بالتعليم ثنائي اللغة، بعد أن شرعت فعليًّا في تنفيذه، لعل من أهمها ما يلي:
أولاً: ألغت وزارة التعليم والتنمية البشرية عام 2007م مراكز تدريب معلمي المرحلة الابتدائية السابقة، وأدخلت معاهد تدريب المعلمين في جميع أنحاء البلاد للمساعدة في معالجة النقص في المعلمين، وزيادة متطلبات القبول، وتقصير الوقت المطلوب لتدريب المعلمين([36]). وذلك لمواكبة تطور برنامج التعليم ثنائي اللغة في البلاد.
ثانيًا: بحلول عام 2013م، كان البرنامج يعمل في 370 مدرسة في 10 مقاطعات، وباستخدام 16 لغة موزمبيقية. اعتبارًا من عام 2015م، كانت 551 مدرسة و98000 طالب جزءًا من البرنامج([37])، مما يدل على أن هذا البرنامج يتسع ليشمل مساحات جديدة في كل مرة.
ثالثًا: وفقًا للمعهد الدولي للغة البرتغالية؛ فقد أعلنت وزارة التعليم والتنمية البشرية الموزمبيقية عن خطط لتعميم استخدام 16 لغة موزمبيقية إلى جانب اللغة البرتغالية، في المدارس الابتدائية في جميع أنحاء البلاد بحلول عام 2017م([38])، وذلك يؤكد حرص الحكومة الموزمبيقية في الاستمرار التوسعي للبرنامج.
رابعًا: في اختبار وطني عام 2016م، على سبيل المثال، حقق 4.9 في المائة فقط من طلبة الصف الثالث مهارات القراءة والكتابة، كما هو مطلوب في المنهج الدراسي، وهذا يُعدّ انخفاضًا عن معدل التحصيل المنخفض جدًّا بالفعل، والذي يبلغ 6.3 في المائة في هذه الاختبارات الوطنية باللغة البرتغالية فقط([39]). وهذا يدل على الاهتمام بمتابعة البرنامج.
خامسًا: تم إصلاح مناهج المدارس الابتدائية منذ عام 2017م، بهدف جعلها أكثر تكاملًا وتركيزًا على المهارات الأساسية. وهذا اعتراف بأن العديد من المتعلمين يتركون المدرسة الابتدائية دون المهارات الأساسية مثل القراءة والكتابة والحساب. وتم المضي قدمًا في تنفيذ المنهج المنقّح، الذي بدأ في عام 2017م من الصف الأول، بمعدل صف واحد في السنة. وفي الوقت نفسه، يتم استبدال المنهج السابق([40]).
سادسًا: تم تقديم المنهج المنقَّح للصف السادس في عام 2022م. وقد تم اعتماد المنهج المنقح للصف السابع في عام 2023م، وبالتالي توسيع نطاق الإصلاح ليشمل التعليم الإعدادي. ويتم تنظيم المنهج حول ثلاثة مجالات دراسية، وهي الاتصالات والعلوم الاجتماعية؛ العلوم الطبيعية والرياضيات. والأنشطة العملية والتكنولوجية([41]). وهذه نقلة مهمة في مجال برنامج التعليم ثنائي اللغة في البلاد.
وبعد ذلك، يمكن القول: إنه وفقًا لبعض المختصين من فرع المناهج والأبحاث في وزارة حقوق الإنسان في موزمبيق، هناك طلب كبير على تعليم اللغة الأولى بين أصحاب المصلحة المحليين، كما أن استخدام اللغات الأولى يتزايد في الإذاعة وفي السياسة المحلية. ومع ذلك، يواجه البرنامج ثنائي اللغة الحالي تحديات كبيرة([42]). وهو أمر متوقع، في ظل دولة متعددة الإثنيات واللغات، ظلت لقرون عديدة لا تعرف غير اللغة البرتغالية لغة للتعليم والإعلام، والأعمال الحكومية، وغيرها.
صفوة القول في ما يخص أهم ما يميز مرحلة تبني التعليم ثنائي اللغة (1993- 2023م) أنها شهدت تنفيذ السياسة التعليمية، الخاصة بتطبيق التعليم ثنائي اللغة، أولاً: تجريبيًّا بلغتين، وثانيًا: بتوسع البرنامج ليشمل 16 لغة موزمبيقية محلية، تم كل ذلك بالتعاون بين البنك الدولي وحكومة مومبيق، ممثلة في المعهد الوطني للتنمية التعليمية، وجامعة إدواردو مندلين ومنظمتين غير حكوميتين موزمبيقيتين. مع ملاحظة أن هذا البرنامج وضع حدًّا للاستخدام المنفرد للغة البرتغالية في التعليم، كما أنه هدف إلى تطوير معرفة القراءة والكتابة، وفي الوقت نفسه، بناء القدرة على التحدث بطلاقة باللغة البرتغالية، إضافةً إلى أنه أتاح فرصة لاستخدام اللغات المحلية في التعليم، واستفادة من مزايا استخدام اللغة الأولى في التعليم… ولكن هل حقق البرنامج أهدافه؟
تقييم برنامج التعليم ثنائي اللغة:
إن مشروعًا بأهمية برنامج التعليم ثنائي اللغة، لابد من إخضاعه للتقييم، فمن جهة، يؤكد البنك الدولي في تقرير له صدر عام 2012م، بأن تجربة برنامج التعليم ثنائي اللغة، الذي طُبق في موزمبيق يُعدّ تجربة ناجحة. ويُرجع التقرير ذلك النجاح إلى أن تنفيذه كان موكلاً لحكومة موزمبيق، ونفَّذه في المقام الأول المعهد الوطني للتنمية التعليمية، وجامعة إدواردو موندلين، ومنظمتان غير حكوميتين موزمبيقيتين([43])، كما تمت الإشارة من قبل، وكانت الحكومة الموزمبيقية حريصة جدًّا على توفير العوامل المساعدة على إنجاح هذا البرنامج، على الرغم من ضعف إمكاناتها.
من ناحية أخرى، هناك بعض الأبحاث، التي قيّمت تأثير هذا النمط من التعليم على اللغة الأم في موزمبيق. على سبيل المثال، في عام 2006م، أجرى المعهد الوطني لتطوير التعليم دراسة حول برنامج التعليم ثنائي اللغة، وقد وصفه بأنه جيد النتائج.
أما في عام 2010م، فدعا نائب الوزير إلى إجراء بحث إضافي حول البرنامج للتأكد من مخرجاته. وقد أظهرت دراسة علمية أن هناك اتجاهات نوعية واعدة في برنامج التعليم ثنائي اللغة، من حيث المشاركة في الفصول الدراسية، وخاصة بالنسبة للفتيات؛ فقد عزز الثقة بالنفس، والممارسات التعليمية. كما أظهرت بعض الدراسات أيضًا أن درجات اللغة الأولى والثانية (البرتغالية) في الرياضيات واختبارات المواد الأخرى كانت مماثلة، إن لم تكن أفضل، من تلك الموجودة في المدارس أحادية اللغة. كما أظهر تقييم آخر أن الأطفال في الصفوف من الأول إلى السابع في التعليم ثنائي اللغة كانوا على قدم المساواة من حيث النتائج باللغة البرتغالية مع الطلبة الذين تلقوا تعليمهم باللغة البرتغالية([44]).
ربما لا تعكس لنا هذه التقييمات المختصرة كل الحقيقة، عن برنامج التعليم ثنائي اللغة، الذي طُبِّق في موزمبيق؛ إذ من المتوقع أن هناك سلبيات رافقته، ربما تعكسها بحوث أخرى في هذا المجال، يمكن أن تُعلَن نتائجها لاحقًا. خصوصًا وأن البرنامج ما يزال مستمرًّا، ويستمر معه إدخال التحسينات عليه من حين لآخر.
تحديات تواجه التعليم ثنائي اللغة:
ليس من المستبعد أن يُواجه مشروع التعليم ثنائي اللغة في موزمبيق جملةً من التحديات، فهذا أمر حتمي. وقد برهنت التجربة صدق ذلك، فمن جهة يواجه هذا البرنامج ضغوطًا تفرضها أنظمة إدارة التعليم، والحاجة إلى تطوير مواد اللغة المحلية، وتدريب المعلمين للتعليم ثنائي اللغة، وارتفاع معدلات تغيب الطلبة([45])، وكلها تحديات مُتوقَّعة يفرضها التوسع في هذا النمط من التعليم، الذي يتم في ظروف استثنائية تمر بها البلاد.
من جهة أخرى أبانت إستراتيجية التوسع في التعليم الجديدة (2020- 2029م) الصادرة عن حكومة موزمبيق أن برنامج التعليم ثنائي اللغة، الذي تم تنفيذه في 1900 مدرسة، ويغطي جميع مقاطعات البلاد؛ يواجه تحديات تنفيذ كبيرة. منها بشكل خاص إشارة إلى نقص تدريب المعلمين في مجال التعليم ثنائي اللغة، ومواد التدريس والتعلم. واعترفت بأن الآباء والأوصياء غالبًا ما يقاومون تسجيل الأطفال في برامج التعليم ثنائي اللغة. وحددت تلك الإستراتيجية الخطوات المطلوبة لمواجهة هذه التحديات، فيما يلي أهمها:
أولاً: ينبغي إجراء الخرائط اللغوية لتقييم الوضع اللغوي للمنطقة، التي تخدمها المدرسة.
ثانيًا: يجب تقييم مدى توفر الموارد البشرية والمالية ومواد التدريب والتعليم وتعزيز حسب الحاجة.
ثالثًا: ستحتاج جميع المدارس إلى تصريح من المنطقة والمحافظة لاختيار لغة التدريس الخاصة بها.
وأخيرًا، هناك حاجة إلى المشاركة المجتمعية النشطة والنوعية([46]) لدعم برنامج التعليم ثنائي اللغة.
علاوةً على ذلك، قد تستمر العديد من التحديات، مثل المطالب المتناقضة من مختلف أصحاب المصلحة (على سبيل المثال: الرغبة في تعلم اللغة البرتغالية بشكل أسرع من أجل الحراك الاجتماعي والاقتصادي، مقابل الحاجة إلى تعليم أطول في اللغة المحلية؛ لتمكين الانتقال بشكل أفضل إلى اللغة البرتغالية)؛ والنقص الأساسي في الموارد في الترجمة الآلية، بما في ذلك نقص الموارد اللازمة لتدريب المعلمين بشكلٍ كافٍ لتدريس برنامج كامل ثنائي اللغة، ولتوسيع واستدامة برنامج التعليم ثنائي اللغة (المكلف)، ونقص الأدلة على مهارات اللغة الشفهية الأولية في اللغة الأولى، وكيفية الانتقال بنجاح إلى تعدد القراءة والكتابة([47]).
والحق أن كل ما ذُكِرَ من تحديات تواجه برنامج التعليم ثنائي اللغة في موزمبيق، تظل تحديات متوقعة، ستتغلب عليها إرادة الحكومات الوطنية، متى ما استغلت مواردها المحلية، ووجدت المساعدة من الداعمين داخليًّا وإقليميًّا ودوليًّا؛ لأن التعليم تقوم على أكتافه التنمية، وتظل التنمية في حاجة مستمرة للتنمية البشرية، التي يقف من خلفها التعليم، والتعليم ثنائي اللغة، تحديدًا، في الدول المتعددة إثنيًّا ولغويًّا وثقافيًّا، كحال موزمبيق.
خاتمة:
نخلص في هذا المقال، الذي تناولنا فيه موضوع التعليم ثنائي اللغة كسياسة لغوية-تعليمية في موزمبيق، والذي قسمنا فيه مراحل التعليم إلى ثلاث مراحل؛ نخلص إلى أن المرحلة الأولى (مرحلة الاستعمار) تميز فيها التعليم بتبني اللغة البرتغالة، عبر تطبيق نوعين متمايزين من التعليم؛ أولهما: تعليم ليبرالي تقني خاص بالمستوطنين وقلة من الأفارقة. والآخر: تعليم لتعزيز المهارات البدائية، خُصَّ به غالبية السكان الأفارقة.
أما المرحلة الثانية (مرحلة ما بعد الاستقلال: 1975- 1992م)؛ فقد شهدت بدايتها تبني الحكومة، السياسة اللغوية نفسها، التي ورثتها عن الاستعمار. وخلالها تبنَّت سياسة التعليم للجميع، وتم التوسع فيه، ثم تم إنشاء نظام وطني للتعليم في بداية الثمانينيات من القرن الماضي للأشخاص من جميع الأعمار. وصدر دستور 1990م، ومرسوم التعليم الوطني لعام 1992م، اللذان عزَّزا تشجيع اللغة البرتغالية، باعتبارة لغةً رسميةً، وتبع ذلك تقدير اللغات الوطنية، وتعزيز تطويرها، وتشجيع استخدامها في تعليم الطلبة، وقد مثَّل ذلك خطوة جوهرية نحو التعليم ثنائي اللغة لاحقًا.
وأما المرحلة الثالثة (مرحلة تبني التعليم ثنائي اللغة: 1993- 2023م)؛ فقد شهدت تنفيذ السياسة التعليمية الخاصة بتطبيق التعليم ثنائي اللغة، أولاً: تجريبيًّا بلغتين، وثانيًا: بتوسع البرنامج ليشمل 16 لغة موزمبيقية محلية، وذلك بالتعاون بين البنك الدولي وحكومة مومبيق.
مع ملاحظة أن هذا البرنامج وضع حدًّا للاستخدام المنفرد للغة البرتغالية في التعليم، كما أنه هدف إلى تطوير معرفة القراءة والكتابة، وفي الوقت نفسه، بناء الطلاقة اللغوية والقدرة على التحدث باللغة البرتغالية، إضافةً إلى أنه أتاح فرصة لاستخدام اللغات المحلية في التعليم، مع الاستفادة من مزايا استخدام اللغة الأولى في التعليم، الذي أكَّد جودته أهل الاختصاص من التربويين واللغويين.
………………………….
[1] – تعريف التعليم ثنائي اللغة، بقاموس كامبريدج على الرابط: https://dictionary.cambridge.org/dictionary/english/bilingual-education
[2]– تعريف مصطلح التعليم ثنائي اللغة، لكامبيردج، على الرابط: https://www.cambridgeinternational.org/Images/271190-bilingual-learners-and-bilingual-education.pdf
[3]– انظر: تعريف التعليم ثنائي اللغة، معجم ويبستر على الرابط: https://www.merriam-webster.com/dictionary/bilingual%20education
[4]– Bialystok, E. 2018. Bilingual education for young children: review of the effects and
consequences. International Journal of Bilingual Education and Bilingualism, 21 (6), p 667. doi:10.1080/13670050.2016.1203859.
[5]– لويس كالفي (2009م): السياسات اللغوية، ترجمة يحياتن، بيروت: الدار العربية للعلوم، ناشرون، ص110.
[6]– جيمس طوليفسن (2007م): السياسة اللغوية، خلفياتها ومقاصدها: محمد خطابي، الرباط: مؤسسة الغنى للنشر، ص26.
[7]– Noss، R. B. (1971): Politics and Language policy in South East Asia، Language Sciences، Indiana: Bloomington، p 25
[8] – تعريف السياسة التعليمية على الرابط: https://blog.teachmint.com/importance-of-educational-policy-in-the-education-system
[9]– انظر: تعريف مصطلح السياسة التعليمية، على الرابط: https://www.definitions.net/definition/education+policy#google_vignette
[10] – بلال دربال (2014م): “السياسة اللغوية… المفهوم الآلية”، مجلة المخبر، أبحاث في اللغة والأدب الجزائري، جامعة بسكرة- الجزائر، العدد 10، ص ص (321- 338)، ص 331.
[11] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[12] – https://www.definitions.net/definition/education+policy#google_vignette
[13] -Sarita Monjane Henriksen، Identity and Pluralism in Africa- The Case of Mozambique، p 15
[14] – الموسوعة البريطانية، موزمبيق/ تعليم، على الرابط: https://www.britannica.com/place/Mozambique/Education#ref43983
[15] – المرجع نفسه.
[16] – موزمبيق- معلومات الدولة، على الرابط: https://africanrelief.org/mozambique-country-information/
[17]– Feiciano Chimbutane and Ritva Peinikka. Language and Student Learning Evidence from an ethnographic Study in Mozambique، WIDER Working Paper، 2023/62. May 2023 ،p 5
[18] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[19] Feiciano Chimbutane and Ritva Peinikka. Language، مرجع سابق، 2.
[20] – المرجع نفسه، ص 1.
[21] – الموسوعة البريطانية تعليم، مرجع سابق.
[22]– Language Mapping Study in Mozambique، Final Report، October 2017، republic if Mozambique and USAID، Prepared by: Pooja Nakamura et al، p10.
[23] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[24] Feiciano Chimbutane and Ritva Peinikka. Language، مرجع سابق، ص 2.
[25] -Mozambique، The Impact of Language Policy and Practice on Children’s Learning:Evidaence from Eastern and Southern Africa (2017)، Unicef،
[26]– Sarita Monjane Henriksen (2009): Reflections on the Language Education Issue in Mozambique، 3rd European Conference on African Studies، Leipzig، Germany. 3-7 June 2009، p2
[27] Sarita Monjane Henriksen (2009): Reflections on the Language، مرجع سابق، ص. ص 1- 2.
[28] Language Mapping Study in Mozambique، ، مرجع سابق، ص. ص 12- 13.
[29] – المرجع نفسه، ص 12.
[30] Language Mapping Study in Mozambique، 2017، مرجع سابق، ص 13.
[31] Feiciano Chimbutane and Ritva Peinikka. Language، مرجع سابق، ص 5.
[32] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[33] -Annex F. (2015): Summary of the Early Grade Reading Materials Survey in Mozambique، Geography and Demographics، DERP in Africa، Reading Materials Survey، Final Report، (162- 181).
[34] – المرجع نفسه.
[35] Mozambique، The Impact of Language Policy، مرجع سابق.
[36] Feiciano Chimbutane and Ritva Peinikka. Language، مرجع سابق، ص 3.
[37] Mozambique، The Impact of Language Policy، مرجع سابق.
[38] – المرجع نفسه.
[39] Feiciano Chimbutane and Ritva Peinikka. Language، مرجع سابق، ص 1.
[40] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[41] المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[42] المرجع نفسه، ص 2.
[43] Mozambique، The Impact of Language Policy، مرجع سابق.
[44] Language Mapping Study in Mozambique، ، مرجع سابق، ص. ص 12- 13.
[45] – المرجع نفسه، الصفحة نفسها.
[46] Feiciano Chimbutane and Ritva Peinikka. Language، مرجع سابق، ص 16.
[47] Language Mapping Study in Mozambique، Final Report، October 2017، مرجع سابق، ص. ص 12- 13.
المصدر: قراءات افريقية